تواصل معنا
مقالات

ما الذي يجعل الكتب الأكثر مبيعاً هي الأكثر مبيعاً؟

داليا اسماعيل   |   2022/01/20

كلّ شيء له طابع معين حسب الشخص ذاته، ميوله واهتماماته وتصوراته، و الذائقة التي تطغى على فكره، تحدد طبيعته، العيش بين الكتب يتيح لك التنقل بين حيوات مختلفة الألوان، يمكنك من السفر إلى عوالم شتى، عوالم قد تكون واقعيّة أو تُرسم في مخيلة أصحابها، تستطيع أن تعيش بصحبة المتنبي، أو تكون طالبُ علمٍ في حلقاتِ سيبويه، أو تستمع لفلسفة أرسطو، أو تقاتل مع المهلهل وتشهد حروب ووقائع وأنت في صحبة كتاب فقط، يقال : حدثني ماذا تقرأ أقول لك من أنت. 

جودة الكتاب واهتمامات الشباب

العامل الأساس  في تحديد الكتب الأكثر مبيعاً هو القارئ، الذائقة الأدبيّة للعامة، ما الذي يجذب القرّاء وما هو المجال الذي يتناسب مع أهوائهم، كما تشير منى إبراهيم، معلمة ثلاثينيّة، خريجة من تخصص اللغة العربية وآدابها، سفيرة في مشروع صناعة القُرّاء أصبوحة ١٨٠، تقول :هناك مجموعة من الأسباب التي تتحكم في ماذا أقرأ وفي المجالات التي أقرأ فيها، منها الدينيّة، نحن تقريباً نسمى جهلة من الناحية الدينيّة، فكثير من علوم الفقه وعلوم السير النبويّة وسير الصحابة -رضوان الله عليهم- لا نعلمها، وهذا يُحسَب علينا، كذلك من الجانب الثقافي؛ أحبّ أن أعزز ثقافتي وفكري، كما أنَّ لي رغبة كبيرة وجامحة في حبّ الاطلاع والتعرف على كل ما يخدم حياتي، أحتاج إلى الكثير من التجارب والمعارف لكي أسيّر حياتي الزوجية، و أتعامل بطريقة ناجحة وإيجابية مع أبنائي خاصة أننا في عالم تغزوه التكنولوجيا، ونعيش عالم السرعة الأعمى الذي يحطم كل ما هو جميل. 

إلا أنَّه تبين أنَّ الكتب الأكثر إقبالاً بين الشباب في هذا الوقت هي الكتب التي تتميز بطابع التنمية الذاتيّة، والروايات بشكل عام على اختلافها، الرومانسيّة منها والخياليّة، والكتب التي تخدم الجانب الإنسانيّ وتخاطب مكنونات الشباب وعواطفهم، لأنه يجد نفسه فيها، يجد عالمه والنص الذي يتلاءم مع أسئلته، سوف يتجه إلى ما هو خفيف إلى ما هو متوسط من حيث المعرفة والفكرة التي يطرحها الكتاب، ويبتعد عن النصوص المعرفية العميقة، خاصةً إذا كان يتوجه بشكل تلقائي، وليس قارئ متخصص بشكل أو بآخر. 

ومن ناحية الأكثر تناولاً بين الشباب، تقريباً الرواية، فعامة الناس، حتى الأشخاص الأكثر قراءة للكتب نسبة قراءتهم للرواية أعلى، لعدة أسباب: الرواية ذات أسلوب سردي سريع، وأسلوب قصصي جاذب، الرواية أسهل، فيها تشويق، فيها تحفيز لمعرفة الأحداث، كما تشير منار أبو صقري، طالبة اللغة العربية وآدابها في الجامعة الأردنيّة :لا يجذبني كتاب في علم النفس ولا يجذب عامة الناس لأنه كتاب متخصص ويتجه للخصوصية بشكل كبير، أما الرواية تروي قصة معينة تجذبني وتحظى بالاهتمام. 

كما ذكرت منار بعض الكتب التي عليها إقبال بين فئة الشباب، كتاب علي نجم "زحمة حكي" تم تداوله بين الشباب لأن كاتبه شخص معروف، والكتاب عامي، يتناول عواطف شخصيّة ونفسيّة، بالتالي الجميع قادر أن يفهمه، ولن يستصعب على أحد، بالمقابل إنسان ذو تذوق عالي للكتب، وذو تذوق عالي للقراءة، لا تلفته مثل هذه الكتب، لكنها تلفت عامة الناس، وعامة الناس لا تقرأ الكتب المتخصصة. 

وكما تقول منى: لا يمكن الحكم على كتاب ما دون التوغل بين صفحاته وقراءة محتواه، ففي كثير من الأحيان لا يمكنني معرفة ما يدور حوله الكتاب إلّا إذا تخطيت تقريباً من خمسين إلى مائة صفحة، حتى أفهم المغزى العام والفكرة العامة التي يبنى عليها هذا الكتاب. في عالم تغزوه الوسائل الإلكترونية، وأصبحت تقريباً معظم الكتب موجودة على المكتبة الإلكترونية، وبقدر ما يوجد في المكتبة الإلكترونية من إيجابيات وتسهيل السبيل للقارئ للوصول إلى عناوين كثيرة، وكثيرة جداً، و قراءتها وتمكينه منها، إلى أنّه كما تشير السفيرة منى، "القراءة من الكتاب مباشرة أروع وأمتع، فالعيش بين رائحة الكتب ولمسها له طعم خاص وفريد من نوعه".

تكلفة الكتب في السوق

بالنسبة للقارئ الذي لديه ميل خاص للقراءة، وله تاريخ في قراءة الكتب والمطالعة لا يتعلق الأمر بتكلفة الكتاب حتى يدفعه للتوجه إلى شراءه أو الابتعاد عنه، قد يؤثر أحياناً المستوى الاقتصادي- إيجاباً أو سلباً-، لكن بطبيعة الحال هي طريقة التفكير، هل نحن بالأساس لدينا ثقافة القراءة. 

بالتالي، لا يوجد سعر محدد للكتاب الأكثر مبيعاً، الكتاب في الأردن يتراوح ما بين ثلاث إلى عشر دنانير بالحد الأقصى، إذا تحدثنا عن عمل قصصي أو روائي، أو عمل في جوانب التنميّة البشريّة، كما يشير مدير فضاءات للنشر والتوزيع، جهاد أبو حشيش، حتى نقول أن الكتاب أكثر مبيعاً هذا يخضع للدولة، لطبيعة القارئ، إذا تعاملنا مع جيل العشرينات سوف يذهب إلى الرواية، سوف يذهب إلى الكتب التي تجيب أو تتمحور حول أسئلة اهتمامات هذا الشاب، حول سؤال: كيف تصبح مليونير، كيف تصبحين الأكثر جمالاً، هذا يتجه إلى أنّه قد يكون الكتاب أكثر مبيعاً، لكن ليس الأكثر جودة، هذا أيضاً يختلف حسب الدولة، مثلاً عُمان، الفتيات أكثر إقبالاً على القراءة بشكل عام، في الخليج مثلاً، رواية "الرعب" هي الأكثر مبيعاً، في دول أخرى كتب التنميّة البشريّة. في الوقت ذاته بعض الدول الكتاب السياسي هو الأكثر مبيعاً، أو الكتاب الفلسفي. 

وهذا أيضاً ما يشير إليه حمزة سمور، صاحب كشك سمور في وسط البلد، المشكلة أصبحت أنّ الكاتب الصاعد يمتلك طرق إشهار وحسن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، يصنع ضجّة، مع أنّ محتواه ضعيف، لكن عليه إقبال الشباب، "الكتب عبارة عن كماليات"، وهذا يعود للوضع الاقتصادي للقارئ، ممكن أن يبتعد الشاب عن كتاب ما بسبب تكلفته، ويذكر قائمة من الكتب المتداولة بين الشباب، منها مثلاً : انتيخريستوس، النبي، كتب جبران خليل جبران، العادات السبع، نظرية الفستق، مميز بالأصفر إلخ.

شكل الكتاب والترويج له 

علاوة على ذلك، إذا انتشر الكتاب وصار (موضة)، سوف نجد الفضول لدى الشباب أن يحصلوا عليه، الكتاب الذي أثار ضجة، الذي تمّ تناوله على مواقع التواصل الاجتماعي - سواء بالإيجاب أو السلب - إضافة إلى أنّ قدرة الكاتب، أو قدرة الناشر بالترويج للكتاب أيضاً يشكل عامل، وأحياناً اسم الكاتب وشهرته له دور، لأنه قد يخلق ثقة لدى بعض القرّاء وبالتالي سوف ينتظروا ما الذي سوف ينتجه هذا الكاتب. 

يقول، جهاد : لا يوجد رؤية استراتيجية توجه هؤلاء الشباب، فمعظم التوجه عند الشباب حسب الميول الفرديّة، أو حسب الشكل الدعائي على وسائل التواصل الاجتماعي، يعني بالطبيعة الكتب الجيدة قد تصبح الأكثر مبيعاً لدى فئة محددة من القرّاء، فئة تعودت على القراءة بشكل عام، لكن بالمجمل الكتب الخفيفة أو المتوسطة، التي تتناسب موضوعاتها وسهولتها مع عقلية الشباب نسبة الإقبال عليها عالية، لسهولة تناول الكتاب والتعامل معه،" هذا للقارئ غير المتعمق بالطبع ". 

على أيّ حال، ليس بالضرورة الكتاب الأكثر مبيعاً هو الأكثر جودة؛ لأن اليوم عامة الناس لا تقرأ، ولا تعرف أن تميز الكتاب الغث من الكتاب السمين، وقد يتناول الشباب كتاباً نظراً لجاذبية عنوانه، عناوين برّاقة لامعة تجذب القارئ، أو لطريقة الإشهار والتسويق لهذا الكتاب، ربما طريقة الإشهار تكون تابعة إلى الكاتب بحد ذاته، يكون اسم الكاتب اسم معروف في الوسط الثقافيّ، كما تشتهر مثلاً في الجزائر الكاتبة أحلام مستغانمي. 

علاوة على ذلك، يقال : "المتاح للجميع غير ملفت"، لأن الذائقة العامة عند الناس هبطت. كما تقول منار، الناس تتجه إلى الصورة السطحية" وكلّ غني في العيون جليل " شخص آخر لا يمتلك هذه الرؤية السطحية، ممكن يتعمق ويقرأ، لكن هذا الشخص الآخر هو شخص نادر، "فعامة الناس تجذبها الظواهر أكثر من الدواخل، بالمناسبة هذا يدفع الكاتب الجيّد إلى مواكبة متطلبات العصر". 

في حين أنّ غلاف الكتاب له دور كبير في لفت انتباه الشباب وشدّهم إليه، هذا بشكل عام، قد لا يشمل النسبة القليلة من القرّاء المهتمين في موضوعات الكتب أو المثقفين، فالغلاف يمكن أن يعطي فكرة عن المضمون، مع العلم أنّ الكتب القيّمة لا نكاد نجد لها غلاف، مثل كتب الأدب والتاريخ، كذلك العنوان، يجذب بشكل كبير، فالعناوين اللامعة تجذب القارئ، تحفزه على امتلاك الكتاب وقراءته، لذلك اختيار العنوان يجب أن يكون بعد كتابة الكتاب والانتهاء منه. 

في فن الرواية والقصة بشكل عام، هناك شيء اسمه مفارقات سرديّة، مفارقات لغوية، مفارقات بالعنوان، مثل كتاب يتحدث عن حب الحياة وخاتمة الكتاب تكون أن البطل فيه ينتحر(مفارقة بين العنوان والقصة) :هذه المفارقة من أساليب جذب القارئ. 

وحملات ترويج الكتاب لها دور، واختيار الوقت المناسب هو من أساليب الترويج لهذا الكتاب، الأهم أن ينتشر الكتاب في وقته، مثلاً الأحداث التي تثير ضجة في وقت معين ويتناولها كتاب ما، يزيد من الإقبال عليه، لإشباع الفضول والرغبة في معرفة تطورات هذا الحدث وهذه القضية، وهذا النوع من الذكاء تستخدمه وسائل الإعلام، تقوم بنشر موضوعاً معيناً في وقته، ويجب على الكاتب اختيار الوقت المناسب للنشر، بالنهاية ميول الشباب هي الدافع الأهم للإقبال على الكتب، بالتالي يتصدر هذا الكتاب المشهد.