استطاعت الدراما الأردنية منذ بدايتها أن تنافس أحياناً من سبقها في الدراما العربية السائدة ولكن هل يستطيع العاملون في مجال الدراما الاعتماد عليه مادياً؟
استطاعت الدراما الأردنية منذ بدايتها أن تنافس أحياناً من سبقها في الدراما العربية السائدة مع بداية ظهور التلفزيونات العربية. وتمكّنت الدراما الأردنية من بداياتها في عام 1968 من تقديم ملامح جديدة للدراما العربية، ولكن السؤال هو: هل يستطيع العاملون في مجال الدراما الاعتماد عليه مادياً؟ رأي المخرج سامر خضر "حركة الإنتاج الدرامي في الأردن غير منضبطة وغير منتظمة ولا يمكن قياسها" بهذه الكلمات وصف المخرج الأردني سامر خضر واقع الدراما الأردنية. وأضاف بأنه لا يمكن للعاملين في قطاع الإنتاج الدرامي بالنسبة للمستفيدين منه كممثلين ومخرجين وفنيين أن يعتمدوا بشكل مباشر على هذه المواسم "المترّنحة" بين القرارات المتغيرة حكومياً وبين جهات إنتاج خاصة "عاجزة". ويعوّل على التلفزيون الأردني لأن يكون هو الإنتاج العادل، لكن التلفزيون محكوم بميزانياته.
وأضاف خضر بأن الكثيرين من فناني الدراما التلفزيونية في الأردن يعتمدون على المسرح، لأن وزارة الثقافة تقدم أربعة مهرجانات رئيسية تقريباً، فتُعتبر مصادر دخلٍ متنوعة، لكن عدد المسرحيين ازداد وأصبحوا يعتقدون بأن الممثل التلفزيوني يزاحمهم على هذه المساحة القاصرة. وعن الموسم الرمضاني في الأردن، قال خضر إنه لا يكفي ولا يلبي احتياجات الفنان الأردني، ولا يعتقد أن أي فنان أردني، سواء كان يعمل بشكلٍ منتظم أو كفنان مواسم، يعتمد على الدراما باعتبارها دخلاً ثابتاً، فالفنان الأردني دائماً ما يبحث عن مشاريع متصلة، إما بدول عربية كجهات إنتاج من الخارج، أو حتى يذهب للمشاركة في أعمال عربية، وهذا غير متاح للجميع.
وأردف خضر قائلاً إن جيل الشباب في الدراما الأردنية هو جيل مفقود، لذلك تعتبر الدراما الأردنية دراما "عجوز". ولأن جيل الشباب غير متجدّد، فإن جهات الإنتاج غير مهتمة إلا بإنتاج أعمال بدوية تعتمد على قصص الشيوخ التي تتناسب مع الفئة العمرية الأكبر سناً. وهذا بحد ذاته يجعل العمل الفني مقتصراً على بعض الأسماء باعتبارها "شلة" تعمل لدى منتج بشكل متكرر، وهذا ليس أمراً سلبياً لكن المنتفعين منه قلة. وعند سؤاله عن دور نقابة الفنانين، قال خضر إن نقابة الفنانين الأردنيين لم تُفعِّل قوانينها ولا تعتبر نفسها جهة إنتاجية ولم تُنظِّم العمل الإنتاجي. كما بعدت كل البعد عن تنظيم السوق الإنتاجي الأردني، واكتفت بمراقبة المهنة داخلياً ضمن قوانينها التي "تفتقد للنظام الداخلي".
وختم خضر قائلاً إن الفنان الأردني دائماً معوز ويترتب عليه التزامات. ولو كان هناك شخصان أو ثلاثة نجوا من هذه الحالة، فهذا بسبب الاجتهاد الشخصي أو الحظ، أو لربما لأنهم حصلوا على فرصة وحيدة أحدثت نقلة في عملهم، بحيث أصبحوا محسوبين على أسواق إنتاجية غير أردنية، أما سوق الإنتاج الأردني فلا يمكن الاعتماد عليه ولا يمكن ان يكون مصدراً للدخل. رأي الممثلين : قالت الفنانة نجلاء عبدالله إن الممثل الأردني لا يعتاش على عمله في الدراما، والعمل في الدراما غير مجزٍ أبداً وخصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت الأجور بشكل غير معقول. وكان هذا الانخفاض في الأجور السبب في انقطاعها عن العمل في الدراما منذ أربع سنين.
وأشارت عبدالله إلى أن الفنان الأردني يعمل عادةً سنوياً في عمل درامي واحد أو عملين كحد أقصى، وإذا طلب الفنان مردوداً مادياً مرتفعاً تكون فرصة مشاركته في أحد الأعمال ضعيفة. أما إذا قبل بمردود مادي قليل مناسب للمنتج، تزيد فرصة مشاركته في الأعمال الدرامية، ومن الممكن أن يشارك في عملين أو أكثر. وأضافت عبدالله ان أحد أسباب انخفاض الأجور يعود لتدني أجور الوجوه الشابة التي تبحث عن فرص للظهور على الشاشة وتقبل بأجر رمزي، ممّا يؤثر على أجر النجوم، إذ يصبح المنتج يُفضِّل الفنان الشاب الأقل أجراً على النجم ذي الأجر المرتفع. وأضافت عبدالله بأنها لا تنكر بذلك وجود المواهب الشابة التي تحترم ظهورها على الشاشة ليس فقط لأجل التواجد.
وأعرب الفنان الشاب حمد نجم عن رأيه في الدراما الأردنية قائلاً إن الظروف في الأردن غير مناسبة لصنع حالة فنية، فما يوجد على ساحة الوسط الفني مجرد أعمال متواضعة لمنتجين يتعاملون مع الدراما كسلعة تجارية، ويريدون بيع هذه السلعة وفق ما يناسبهم من تفاصيل وسعر ومقدار ربح، كونه ليس هناك من يُنظِّم هذه الحالة. وأضاف نجم أنه اعتذر عن أعمال تعادل ثلاثة أضعاف الأعمال التي شارك بها، وذلك لأنه لم يكن يقبل بأي مردود مادي يُحدّده المنتج، بل كان يطلب ما يناسب "تعبه الروحي" الذي سيبذله تجاه الدور المُحدَّد له كفنان محترف يحترم نفسه، فأغلب المنتجين لا يعجبهم السعر فيعتذر.
وضرب نجم مثالاً على الأجور للفنانين في الوسط الدرامي قائلاً إنه يقدر ما يستحقه على دور معين بِ 20 ألف دولار أو 15 ألف دولار، فلا يكون التفاوض من قبل المنتج حول هذا الأجر، بل يرصد لهذا الدور 3 آلاف دولار. وهذا الرقم بعيد كل البعد عن الجهد الذي سيُبذل، فيضطر الفنان لمواجهة خيارين: إما أن يتنازل ويقبل وإما أن يرفض وينتظر عملاً آخر قد لا يأتي. ولكي تكون لدينا أعمال أردنية تجذب القنوات والمشاهدين، يجب على المنتج أن يرفع ميزانيته لكي يتعامل مع الفنان الحقيقي والكاتب الحقيقي والمخرج الحقيقي أيضاً، حينئذٍ سوف ترغب القنوات بالأعمال الأردنية وتدفع لها سعراً مناسباً. وختم نجم قائلا "يجب أن يكون هنالك احتراف ليكون هنالك احترام".
وعبّر الفنان الشاب عمر حلمي عن رأيه قائلاً إن المشكلة تكمن في عدم الاستمرارية، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم اعتماد الفنان على العمل في الدراما، كما أن الفنان الشاب يعمل دائماً تحت مسمى "الفرصة" والتي يمنحها له المنتج مقابل أجر مادي لا يُذكر. وعن أجور الممثلين الشباب، قال حلمي بأنها تتراوح ما بين 1000 دولار و7000 دولار بحسب المنتج والدور، بالإضافة الى بعض الوعود الأخرى بالنجومية والأعمال القادمة لإقناع الممثل بالأجر إذا كان قليلاً. وختم حلمي قائلاً بأنه يحب أن تكون هناك جهة تضمن الرقابة على المنتج الأردني فيما يخص التعامل مع العاملين في القطاع الدرامي "لأن المنتج في النهاية لا يهتم الا بالربح المادي".
وقال الفنان يوسف كيوان أنه يعمل في المجال الفني منذ 20 عاماً، حيث شارك خلالها في العديد من المسرحيات والمسلسلات الدرامية، وشارك أيضاً في العديد من المهرجانات العربية والعالمية. ويرى كيوان بأنه لا يوجد إدارة للحركة الفنية في الأردن، والفنان الأردني محصور بموسم عمل معين وبأجر مُحدَّد أيضاً. وعن الحل لمشكلة الأجور، قال كيوان إنه يجب على النقابة أن تُصنِّف الفنانين العاملين في الدراما حسب الأعمال والإنجازات والجوائز والعمر، ويتم التصنيف إلى فئات ويتم وضع حد أدنى للأجور بحسب هذه الفئات.
وفي حوار مع النقيب حسين الخطيب حول مشاكل الفنان بالنسبة للأجور، قال إنه يجب ألا نلقي اللوم دائماً على النقابة، والمشكلة ليست من النقابة بل من الفنانين الذين يضربون قوانين النقابة بعرض الحائط، فالنقابة حاولت تنظيم العمل في الدراما ووضع تصنيفات في عام 2011 ولكنها لم تجد تعاوناً من الفنان نفسه، واختلفت الآراء بين الزملاء الفنانين. وأضاف الخطيب بأن النقابة بصدد وضع تعليمات تُنظِّم عمل المهنة الفنية على المستوى الدرامي والموسيقي عن طريق نظام سيتم إقراره من خلال ديوان التشريع.
وعن رأي التقنيين في العمل في الدراما، قال مشرف الإضاءة محمد العمري إن التقنيين في الأردن يعملون من 60 الى 130 يوماً في السنة، ويتراوح أجر مشرف الإضاءة في اليوم من 70 الى 150 ديناراً حسب عدد الأيام والجهة المنتجة. وإذا كانت الشركة المنتجة غير أردنية، فقد يصل الأجر إلى 250 ديناراً يومياً. أما بالنسبة للمهن الأخرى مثل فنيي الإضاءة والمصورين، فتتراوح أجورهم ما بين 35 إلى 100 دينار في اليوم الواحد. وأضاف العمري بأن العمل في المجال الدرامي لا يمكن الاعتماد عليه، ولا يغطي الاحتياجات السنوية من مصاريف السكن والكهرباء والماء والتأمين والمواصلات، وما إلى ذلك من مصاريف أساسية، لذلك يضطر العاملون في القطاع التقني الدرامي للعمل في مهن أخرى لتغطية مصاريفهم.
قال المنتج الأردني عصام الحجاوي إن الأجور في الأردن معتدلة، ولكن يعود السبب في عدم قدرة الفنان الأردني على الاعتماد على العمل في الدراما إلى كم الإنتاج القليل، فـ "عملين أو ثلاثة سنوياً لا تكفي لحركة فنية أردنية كاملة". وأضاف الحجاوي أن المردود التسويقي للدراما الأردنية ضعيف، ولهذا تُعتبر الأجور معتدلة نسبياً وغير مرتفعة. وتظل الأجور معتدلة لأن مردود الدراما الأردنية التسويقي ضعيف، وهذه المشكلة الأكبر التي يعاني منها المنتج في الأردن وتنعكس على الفنان.
وقد توَّقف العديد من المنتجين عن العمل في الأردن لأن الدراما الأردنية غير مُسوَّقة وغير مُجدية تجارياً. وقال الحجاوي إن من تبقى من المنتجين الأردنيين يحاولون إبقاء الدراما على قيد الحياة مع كل الصعوبات المحيطة والفرص الواردة بالخسارة أو الرضى بالربح القليل "إن وجد"، وهم يستحقون الشكر والتقدير، "فالمنتج الأردني مظلوم والممثل لا يأخذ إلا الأجر الذي يستحق". وعن تكلفة إنتاج الأعمال الدرامية الأردنية، قال الحجاوي إن التكلفة لا تقل عن مليون دولار يدفعه المنتج لإنتاج العمل. وقد يربح منه وقد يخسر، وأحياناً تكون فرصة الخسارة أكبر من فرصة الربح. وأشار الحجاوي إلى أنه يحاول ضخ دماء جديدة في الحركة الفنية لتستمر، فهناك شباب موهوبون بحاجة للدعم.