تواصل معنا
أفلام

"200 متر" في الأوسكار: حوار مع أمين نايفة

الوصف

في مقابلة عن بُعد تتجاوز فكرة الحدود والمسافات، حاورنا أمين نايفة الذي أخرج وكتب فيلم "200 متر"، متناولاً قصة عائلة فلسطينية يقطّع جدار الفصل العنصري الإسرائيلي أوصالها، وممثلاً الأردن في الأوسكار بعد أن غاب لثلاثة أعوام متتالية

في مقابلة عن بُعد تتجاوز فكرة الحدود والمسافات، حاورنا أمين نايفة الذي أخرج وكتب فيلم "200 متر"، متناولاً قصة عائلة فلسطينية يقطّع جدار الفصل العنصري الإسرائيلي أوصالها، وممثلاً الأردن في الأوسكار بعد أن غاب لثلاثة أعوام متتالية منذ تقديم فيلم كابتن "أبو رائد" في عام 2008 وفيلم "3000 ليلة" في عام 2017 للترشيحات الأولية ووصول فيلم "ذيب" في عام 2014 لحفل الأوسكار. يصوّر "200 متر" قصة الأب الموجود في الجانب الفلسطيني والأم والأبناء الذين يسكنون في الجانب الإسرائيلي، لتتفاقم الأزمة عندما يتعرّض أحد الأبناء لحادث سير ويدخل المستشفى على بعد 200 متر من والده الذي يمّر برحلة قاسية تمتد لمئتي كيلومتر لزيارة ابنه.

لماذا اخترت هذه القصة؟ 

تنبع قصة الفيلم من تجربتي الشخصية، حيث يفصل الجدار والاحتلال بين عائلة والدي في قرية طولكرم بالضفة الغربية وبين والدتي القاطنة في قرية عرعرة بالجهة الإسرائيلية. نشأت أعيش هذا الإحساس بالفصل ويتمحور الفيلم حول قصة الجدار الذي لم يكن موجوداً منذ الأزل، لكن تشييده بدأ في عام 2005 وشهدت عملية البناء وعشت اختفاء احتمالية القدرة على الحركة ونشوء المخاطر التي تهدّد حياتي في حال قررت السفر. كان هذا الدافع الأساسي، أن أتحدث عن شيء عشته، ليست قصتي وحدي، بل قصة آلاف العائلات التي أعرفها وقسَّم الجدار مدنها وقراها ومنعها من أن تكون مع بعضها البعض. 

لماذا استغرقت مدة تحضير وإنجاز الفيلم ما يزيد عن سبع سنوات؟

راودتني الفكرة في عام 2010 عندما كنت أدرس السينما في معهد البحر الأحمر للدراسات السينمائية في العقبة، وطلبت منا أستاذة الكتابة أن نجتهد لتحضير ثلاث أفكار ربما تستمر واحدة منها في مشروع حقيقي بعد التخرج. كانت فكرة "200 متر" واحدة من هذه الأفكار الثلاثة، حيث امتلكت جوهر القصة وكتبت مسودة لا تتجاوز عشرين صفحة. بعد التخرج في عام 2013، كتبت المسودة الأولى للنص وقدمت لورشة "راوي" لكتابة السيناريو في الأردن، وهناك كانت البداية للفيلم حيث لمست قيمة المشروع وجدوى الاستثمار فيه حتى خرج للنور في عام 2020. استغرقت العملية كل هذه المدة لأنني احتجت للوقت لأفهم كيف أتناول الموضوع بالطريقة المثلى، لكن المشكلة الأكبر تمثلت في التمويل، تمويل الأفلام المستقلة في العالم العربي عبارة عن حرب ويجب أن تكون مستعداً لطرق كل الأبواب في ظل شح الدعم والحاجة لميزانيات كبيرة من أجل الاستثمار بعمل أول ومخرج شاب وقصة غير جديدة.

تطرّقت الكثير من الأعمال الدرامية لفكرة الجدار والفصل العنصري، بما فيها فيلمك القصير السابق "العبور"، لماذا كان "200 متر" مميزّاً في تقديم هذه القصة؟

كان للسنوات السبع تأثير إيجابي على النص والمشروع، أنا كبرت مع المشروع وتغيّرت نظرتي لطريقة تناول القضية. في البداية، كنت أتعامل مع الأمور بشكل مباشر بصورة أكبر، كان الفيلم يحتوي على شرح سياسي وشرح للمظلمة التاريخية بشكل أكبر ممّا هو عليه حالياً، الآن أعتقد أن القصة الإنسانية هي الأهم، ودوري هو أن أقوم بنقل تجربة حقيقية بدون أي مبالغات، فتصل للجمهور الذي بدوره عليه أن يقوم بالبحث إن أراد ذلك. بالإضافة لما سبق، تميّز "200 متر" بزاوية جديدة وهي العمل على الجغرافيا، نظراً لأنه فيلم رحلة فقد تنقَّل الفيلم بين عدة مواقع في فلسطين وهو ما لم نراه في أفلام سابقة.

هل توقعت نجاح الفيلم وترشيحه للأوسكار؟ 

كان جمهوري المستهدف عالمياً، لكنني لم أتصوّر إلى أين يمكن أن يصل، كان الحلم أن يصل لواحد من المهرجانات السينمائية العالمية الكبيرة في كان أو فينيسيا أو برلين. ولأنه فيلمي الأول، راودتني الشكوك والكثير من التساؤلات في مرحلتي التصوير والمونتاج حول جودته، خصوصاً وأن ردود فعل الأصدقاء والفنانين ممّن نشارك معهم العمل متباينة، كنت متخوفاً من ردود الجمهور، لكن عندما تم عرض الفيلم في الدورة 77 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي ونال جائزة الجمهور الذي تفاعل بشكل استثنائي، كانت الفرحة كبيرة.

إلى أي درجة تجد أنه من الصعب تقديم قصة من السياق الفلسطيني لجمهور عالمي لربما لا يمتلك الخلفية عن طبيعة الصراع التي ربما نفترض وجودها عند الجمهور العربي ويوّجه للخطاب الفلسطيني اتهامات معاداة السامية؟ 

شاركت في ثلاث ورشات كتابة في الأردن واليونان ومجموعة من الدول الأوروبية، في هذه الورشات كان المشاركون من مختلف الدول والخلفيات، من أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كانت فكرة الاحتكاك مع جمهور مختلف وردود أفعال مختلفة موجودة طيلة الوقت، والمفاجآت دائماً موجودة بالنسبة لأمور نعتبرها من المسلمات الواضحة والمفهومة. استفدت من هذه التجارب قبل إنجاز الفيلم وفهمت الطريقة التي يمكن أن تكون فيها القصة أوضح وأقرب للجمهور بعيداً عن الدخول في مطبّات معاداة السامية، نظراً لأنني أدركت أهمية وأولوية تقديم القصة الإنسانية.

نظراً لأنك قدّمت فكرة حرية التنقل وعنصرية الحدود والحواجز والجدران في فيلمك القصير "العبور" في عام 2017، والآن تظهر جلية أيضاً في "200 متر"، فهل نتوقع وجود هذا الطابع في كل أفلامك؟ 

ما دمت أعيش هذا الواقع، أتوقع استمرار انعكاسه في أعمالي. الفرد يتحدث عن الواقع الذي يعيشه ويتأثر به، أذكر ممّا درست عن الأدب العربي أن الشاعر يكتب أفضل أشعاره وهو في قمة الألم بينما يقف على الأطلال، أنا أقف على الأطلال كل يوم، الجدار بعيد عن بيتنا مسافة كيلومتر واحد فقط. كنت كثيراً ما أواجه سؤال: "إنّه كمان فيلم عن الجدار؟ عن الاحتلال الإسرائيلي؟ عن فلسطين؟ اعملوا فيلم جديد، اعملوا قصة حب"، هذا الواقع الذي نعيشه، هل يفترض بي اختراع عالم جديد؟ هاي القصة التي نعيشها وتؤلمنا ونريد أن نرويها، حتى إن قررت أن أقدّم قصة حب، فلا بد أن يكون الاحتلال ووجوده جزءاً منها ولو بطريقة غير مباشرة.

تُشكّل تجربة نايفة في أول أعماله الطويلة تجربةً ناجحةً من شأنها أن تُلهم الشباب المهتمين بصناعة الأفلام، والذين ينصحهم "بالصبر والاجتهاد واستغلال الفرص وتنمية العلاقات رغم واقع الوطن العربي الذي يفتقر لوجود أي استثمار حقيقي في الثقافة أو السينما تحديداً وهي أسلحة القوة الناعمة المستخدمة في نشر الوعي". في إجابته عن سؤالنا بخصوص موعد عرض "200 متر" في الأردن، أخبرنا نايفة أن فيلمه سيُشارك في النسخة الثانية من مهرجان عمان الدولي للأفلام 2021 وفي حال وصوله للأوسكار، فسيحرص على تنظيم عروض مُصغّرة في الأردن خلال الأشهر الأولى من العام الحالي.